الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: قال القونوي: أن للإنسان يميناً ويساراً ظاهرين وهي يدا صورته وله يمين ويسار باطنان وهما روحانيته وطبيعيته وقد اعتبر الشرع ذلك وإليه الإشارة بآية - (مالك) في الموطأ (ت) في الزكاة وغيرها (عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري (حم ق ن عن أبي هريرة م عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً). 4646 - (سبعة) من الناس سيكونون (في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) أضاف الظل إلى العرش لأنه محل الكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم ليس فوقه شيء يظل منه (رجل ذكر اللّه ففاضت عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض الدمع لا هي مبالغة لدلالته على مصير العين دمعاً فياضاً ثم إن فيضها ناشئ عن القرح التي أحرقت قلبه إما حياء من اللّه أو شوقاً إليه أو حباً له أو خوفاً من ربوبيته أو لشهود التقصير معه فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الأحد كان معاملة للّه فآواه إلى ظله (ورجل يحب عبداً لا يحبه إلا اللّه) لأنه لما قصد التواصل هو وأخوه بروح اللّه وتآلف بمحبته كان ذلك انحياشاً إلى اللّه تعالى فآواه إلى ظله (ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها) لما آثر طاعة اللّه وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتاً إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى اللّه مؤثراً فأظله (ورجل يعطي الصدقة) التطوع (بيمينه فيكاد يخفيها عن [ص 90] شماله) لأنه آثر اللّه على نفسه ببذل الدنيا إيثاراً لحب اللّه على ما تحبه نفسه إذ شأن النفس حب الدنيا فلا يبذلها إلا من آثر اللّه عليها فاستحق الإظلال، قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه ففي الصورة قبضه بصورة البيع وهو بالحقيقة صدقة (وإمام مقسط في رعيته) أي متبع أمر اللّه فيهم بوضع كل شيء في محله بغير إفراط ولا تفريط فلما عدل في عباد اللّه فآوى المظلوم إلى ظل عدله آواه اللّه في ظله ولذا كان الإمام العادل من أعلى الناس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث فالجائر من أخس الناس منزلة يوم القيامة (ورجل عرضت عليه امرأة نفسها) ليجامعها بالزنا (ذات منصب وجمال فتركها لجلال اللّه) فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة مولاه وخالف بواعث الطبع للتقوى فلما خاف من اللّه هرب إليه فلما هرب هنا إليه معاملة آواه إليه في الآخرة مواصلة (ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) فإنه لما بذل نفسه للّه استوجب كونه في القيامة في حماه، وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فجوزوا جزاء واحداً صلى كل منهم حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه اللّه حر الأخرى. تنبيه: قد نظم أبو شامة معنى هذا الحديث فقال: وقال النبي المصطفى إن سبعة * يظلهم اللّه العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق * وباك مصل والإمام بعدله وذيل عليه الحافظ ابن حجر في أبيات أخر. - (ابن زنجويه عن الحسن مرسلاً) وهو البصري (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن أبي هريرة). تنبيه: ممن ورد أن يكون في الظل أيضاً رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم وتاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقاً ومن أنظر معسراً أو وضع له وسقا ورجل ترك لغارم أو تصدق عليه ومن عان أخرق أي من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ومن أعان مجاهداً في سبيل اللّه أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته ومن أظل رأس غاز والوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم ومن أطعم الجائع حتى يشبع ومن لزم البيع والشراء فلم يذم إذا اشترى ولم يحمد إذا باع وصدق الحديث وأدى الأمانة ولم يتمنّ للمؤمنين الغلاء ومن حسن خلقه حتى مع الكفار ومن كفل يتيماً أو أرملة ومن إذا أعطى الحق قبله وإذا سئله بذله ومن حاكم للناس كحكمه لنفسه ومن صلى على الجنائز ليحزنه ذلك فأحزنه ومن نصح والياً في نفسه أو في عباد اللّه ومن كان بالمؤمنين رحيماً لا غليظاً ومن عزى ثكلى أو صبرها ومن يعود المرضى ويشيع الهلكى وشيعة عليّ ومحبيه ومن لا ينظر إلى الزنا ولا يبتغي الربا ولا يأخذ الرشى ومن لم تأخذه في اللّه لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى 4647 - (سبعة يظلهم اللّه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) أي لا ظل إلا ظل عرشه وذلك لا يكون إلا في القيامة حتى تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ويأخذهم العرق ولا ظل ثم إلا للعرش وبهذه الرواية رد على من زعم أن المراد بالظل في الرواية الأولى ظل طوبى أو الجنة لأن ذلك إنما يكون بعد الاستقرار فيها وهذا عام (رجل قلبه معلق بالمساجد ورجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف إلى نفسها (فقال إني أخاف اللّه ورجلان تحابا) أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر (في اللّه ورجل غض عينيه عن محارم اللّه) أي كفهما عن النظر إلى ما لا يحل له النظر إليه (وعين حرست في سبيل اللّه) أي في الرباط أو حال قتال أهل الضلال (وعين بكت من خشية اللّه) أي من خوفه لما انكشف لها من أوصاف الجلال والهيبة والعظمة، والبكاء يكون بحسب حال الذاكر وما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون من الخشية وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه، واعلم أن ما تقرر في هذه الأخبار هو ما قرره أهل الآثار وذهب الصوفية إلى أن الإمام العادل القلب وتعلق القلب بالمساجد تعلقه بالعرش فإن العرش مسجد قلوب الموقنين وذكر الخلو عبارة عن كونه خالياً من النفس والهوى وإخفاء الصدقة إخفاؤها عن نفسه وهواه.
|